اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 126
اشعة تلك الأسماء والصفات انما أُعِدَّتْ وهيئت هذه لِلْمُتَّقِينَ من اهل التوحيد وهم الذين قد رفعت لهم غشاوة الغيرية وغطاء التعينات الموجبة للتعامى عن نور الوجود المطلق مطلقا
وهم الَّذِينَ يُنْفِقُونَ من طيبات ما كسبوا من رزق صورى ومعنوي للمستحقين من اهل الله سواء كانوا فِي السَّرَّاءِ اى حين الفراغة عن الشواغل العائقة عن التوجه الحقيقي وَالضَّرَّاءِ اى عند عروض العوارض اللاحقة من لوازم البشرية وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ اى الماسكين الكافين غيظهم عند ثوران القوة الغضبية وهيجان الحمية البشرية الناشئة من طغيان القوى البهيمية وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ اى الذين يعفون ويتركون عقوبة من يسوءهم ويظلمهم عند القدرة لتحققهم في مقر التوحيد المسقط للاضافات والاختلافات مطلقا وَبالجملة اللَّهُ المطلع على سرائر عباده يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ منهم بجميع انواع الإحسان سيما بكظم الغيظ والعفو عند القدرة وعن النبي عليه السّلام ان هؤلاء في أمتي قليل الا من عصمه الله وقد كانوا كثيرا في الأمم التي مضت
وَمن جملة المتقين المعدودين من زمرتهم المؤمنون الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً فعلة قبيحة صغيرة كانت او كبيرة صدرت منهم بغتة خطأ أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بان صدرت عنهم تلك الفعلة عن قصد وتعمد ثم ذَكَرُوا اللَّهَ المنتقم الغيور خائفا من بطشه وانتقامه فَاسْتَغْفَرُوا منه سبحانه على الفور راجين العفو والستر لِذُنُوبِهِمْ التي صدرت عنهم عمدا او خطأ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ مطلقا من العباد إِلَّا اللَّهُ اى غير الله العفو الغفور الذي يغفر ما دون الشرك لمن يشاء من عباده ارادة واختيارا وَبعد ما استغفروا وتابوا لَمْ يُصِرُّوا ولم يرجعوا عَلى فعل ما فَعَلُوا بل قد تركوه بالمرة وَالحال انه هُمْ يَعْلَمُونَ قبح وخامة الإصرار
وبالجملة أُولئِكَ السعداء المستغفرون المتذكرون التائبون الآئبون الخائفون الراجون جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ ستر ومحو لأنانياتهم عطاء مِنْ رَبِّهِمْ وامتنانا منه عليهم لإخلاصهم في الانابة والرجوع وَجَنَّاتٌ اى مشاهدات ومكاشفات تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ اى انهار المعارف والحقائق المترشحة من بحر الذات خالِدِينَ فِيها ابدا لا يظمؤون منها ابدا بل يطلبون مزيدا وَبالجملة نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ تلك المغفرة والجنات. بادروا ايها المؤمنون الى تلك الجنات وواظبوا على إتيان الطاعات والأعمال الصالحات المقربة نحوها وبالجملة لا تغفلوا عن الله في عموم الحالات
واعلموا ايها الموحدون المحمديون قَدْ خَلَتْ ومضت مِنْ قَبْلِكُمْ في القرون الماضية سُنَنٌ ووقائع هائلة بين الأمم الهالكة المنهمكة في بحر الضلال والطغيان ان أردتم ان تعتبروا منها فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ اى عالم الطبيعة ايها المفردون السائحون المعتبرون المتفكرون في ملكوت السماوات والأرض فَانْظُروا من آثارهم واظلالهم كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ بتوحيد الله وبرسله المبينين له وإذ أسرتم ونظرتم فاعتبروا يا اولى الأبصار وذوى العبرة والاستبصار
هذا اى تذكر سننهم وسيرهم بَيانٌ واضح ودليل لائح لِلنَّاسِ المستكشفين عن غوامض مسالك التوحيد الذاتي من اهل الارادة وَهُدىً لأهل الكشف من ارباب المحبة والولاء وَمَوْعِظَةٌ وتذكير لِلْمُتَّقِينَ من عموم المؤمنين
وَبالجملة لا تَهِنُوا ولا تضعفوا ايها المؤمنون من متاعب مسالك الفناء في طريق التوحيد الذاتي وَلا تَحْزَنُوا من المكروهات التي عرضت عليكم من مقتضيات الأوصاف البشرية في النشأة الاولى وَاعلموا ايها الموحدون المحمديون أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ في دار البقاء اى أنتم المقصورون على أعلى المراتب
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 126